الرِّسالَةُ إلَى غَلاطِيَّة
كان سكان مقاطعة غلاطية متقلبي الآراء، محبين للتغيير، قليلي الأمانة، كما يوصفون في التاريخ. وقد قبلوا بولس بينهم أول مرة بالترحاب واللطف، وآمن كثيرون بالمسيح. ثم ظهر بعض المعلمين الدجالين يعلمون تعاليم غريبة، فقبلهم الغلاطيون وتحوَّلوا عما عَلَّمَه بولس، مُصغين إلى التعاليم الهدامة الداعية إلى نبذ إنجيل النعمة، والقائلة بضرورة حفظ شريعة موسى، وبخاصة الختان، لأجل الخلاص، والمهاجمة لرسولية بولس. فردّاً على ذلك، يُدافع بولس هنا عن الإِنجيل الذي أُوحي إليه، وعن رسوليته، فاضحاً التعليم المغلوط المضلل، ومظهراً فساده في جعله صليب المسيح كأنه بلا نفع؛ فيبرهن عما عملته النعمة، مما عجزت عنه الشريعة، ويدعو بشدّة إلى العودة عن الآراء الباطلة إلى رحاب نعمة الله. تكتسب هذه الرسالة أهميتها البالغة بالنظر إلى خطر الانحراف عن إنجيل النعمة إلى نظام من الفرائض والطقوس والخرافة، إذ تدافع عن كفاية عمل المسيح الكفاري، ومبادىء الإِيمان كما سُلم إلى القديسين؛ فضلا عن كونها تقدِّم شهادة بولس بخصوص سلطته الرسولية. والنقطة الأساسية فيها، إثبات تفوق نعمة الإِنجيل على شريعة موسى وكل نظام يماثلها. كما تنتهي بتحديد مسيرة المؤمن المبرر لا تحت الشريعة بل في النعمة وبالروح القُدس.
١
١ مِنْ بُولُسَ، وَهُوَ رَسُولٌ، لاَ مِنْ قِبَلِ النَّاسِ وَلاَ بِسُلْطَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ بِسُلْطَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَاللهِ الآبِ الَّذِي أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، ٢ وَمِنْ جَمِيعِ الإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعِي، إِلَى الْكَنَائِسِ فِي مُقَاطَعَةِ غَلاَطِيَّةَ. ٣ لِتَكُنْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ٤ الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا لِكَيْ يُنْقِذَنَا مِنَ الْعَالَمِ الْحَاضِرِ الشِّرِّيرِ، وَفْقاً لِمَشِيئَةِ إِلَهِنَا وَأَبِينَا. ٥ لَهُ الْمَجْدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِين! ٦  عَجَباً! كَيْفَ تَتَحَوَّلُونَ بِمِثْلِ هذِهِ السُّرْعَةِ عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ، وَتَنْصَرِفُونَ إِلَى إِنْجِيلٍ غَرِيبٍ؟ ٧ لاَ أَعْنِي أَنَّ هُنَالِكَ إِنْجِيلاً آخَرَ، بَلْ إِنَّمَا هُنَالِكَ بَعْضُ الَّذِينَ يُثِيرُونَ الْبَلْبَلَةَ بَيْنَكُمْ، رَاغِبِينَ فِي تَحْوِيرِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. ٨ وَلَكِنْ، حَتَّى لَوْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ، أَوْ بَشَّرَكُمْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِغَيْرِ الإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْنَاكُمْ بِهِ، فَلْيَكُنْ مَلْعُوناً! ٩ وَكَمَا سَبَقَ أَنْ قُلْنَا، أُكَرِّرُ الْقَوْلَ الآنَ أَيْضاً: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُبَشِّرُكُمْ بِإِنْجِيلٍ غَيْرِ الَّذِي قَبِلْتُمُوهُ، فَلْيَكُنْ مَلْعُوناً! ١٠ فَهَلْ أَسْعَى الآنَ إِلَى كَسْبِ تَأْيِيدِ النَّاسِ أَوِ اللهِ؟ أَمْ تُرَانِي أَطْلُبُ أَنْ أُرْضِيَ النَّاسَ؟ لَوْ كُنْتُ حَتَّى الآنَ أُرْضِي النَّاسَ، لَمَا كُنْتُ عَبْداً لِلْمَسِيحِ! ١١  وَأُعْلِمُكُمْ، أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَّ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ لَيْسَ إِنْجِيلاً بَشَرِيّاً. ١٢ فَلاَ أَنَا تَسَلَّمْتُهُ مِنْ إِنْسَانٍ، وَلاَ تَلَقَّنْتُهُ، بَلْ جَاءَنِي بِإِعْلاَنٍ مِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. ١٣ فَإِنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي الْمَاضِيَةِ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، كَيْفَ كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ مُتَطَرِّفاً إِلَى أَقْصَى حَدٍّ، سَاعِياً إِلَى تَخْرِيبِهَا، ١٤ وَكَيْفَ كُنْتُ مُتَفَوِّقاً فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَبْنَاءِ جِيلِي فِي أُمَّتِي لِكَوْنِي غَيُوراً أَكْثَرَ مِنْهُمْ جِدّاً عَلَى تَقَالِيدِ آبَائِي. ١٥  وَلَكِنْ، لَمَّا سُرَّ اللهُ، الَّذِي كَانَ قَدْ أَفْرَزَنِي وَأَنَا فِي بَطْنِ أُمِّي ثُمَّ دَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، ١٦ أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، فِي الْحَالِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْماً وَدَماً، ١٧ وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأُقَابِلَ الَّذِينَ كَانُوا رُسُلاً مِنْ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى بِلاَدِ الْعَرَبِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ رَجَعْتُ إِلَى دِمَشْقَ. ١٨ ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، بَعْدَ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ، لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ. وَقَدْ أَقَمْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً. ١٩ وَلَكِنِّي لَمْ أُقَابِلْ غَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ إِلاَّ يَعْقُوبَ، أَخَا الرَّبِّ. ٢٠  إِنَّ مَا أَكْتُبُهُ إِلَيْكُمْ هُنَا، وَهَا أَنَا أَمَامَ اللهِ، لَسْتُ أَكْذِبُ فِيهِ. ٢١ وَبَعْدَ ذَلِكَ، جِئْتُ إِلَى بِلاَدِ سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ. ٢٢ إِلاَّ أَنَّنِي كُنْتُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ شَخْصِيّاً لَدَى كَنَائِسِ الْيَهُودِيَّةِ الَّتِي هِيَ فِي الْمَسِيحِ. ٢٣ وَإِنَّمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ «أَنَّ الَّذِي كَانَ فِي السَّابِقِ يَضْطَهِدُنَا، يُبَشِّرُ الآنَ بِإِنْجِيلِ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ يَسْعَى قَبْلاً إِلَى تَخْرِيبِهِ!» ٢٤ فَكَانُوا يُمَجِّدُونَ اللهَ بِسَبَبِي.