كِتابُ إرْمِيا
تدور نبوءات هذا الكتاب التي سجلها النبي إرميا في نحو القرن السادس ق. م. حول ضرورة قبول دينونة الله التي لا مفر منها؛ لأن قبولها يُفضي إلى حياة جديدة. لقد عاش إرميا طوال الأربعين سنة الأخيرة من حياة مملكة يهوذا، وشاهد وعانى من هجوم الجيش الكلداني على أُورشليم ومملكة يهوذا، واستيلائه عليها، وسبي الشعب، ودمار الهيكل. كان قد أنذر وحذر الناس مما سيجري عليهم، وتوسل إليهم أن يرجعوا إلى الرب ويتخلوا عن آثامهم من غير جدوى. بل تعرض للمهانة والاحتقار والاضطهاد. يشتمل هذا الكتاب أيضاً على تفاصيل كثيرة لحياة إرميا مما يجعله أكثر أنبياء العهد القديم وضوحاً. لم يكن لدى إِرميا، في خضم الأحداث الرهيبة التي ألمت بيهوذا سوى رسالة واحدة يذيعها على مسامع الشعب: «توبوا وارجعوا إلى الله». دعاهم إلى التخلي عن الأوهام وإعطاء الله مكانته اللائقة به والتي هي من حقه، في حياة الأُمة. لا شيء يمكنه أَن ينقذ الشعب من مصيرهم، لا ثروتهم ولا جيوشهم، ولا رجال سياستهم، حتى ولا دينهم، إنما الله وحده هو القادر على إنقاذهم. إِن دمار أُورشليم يبقى تذكاراً خالداً لكل العصور على مصير الأُمة التي ترفض الله. ولكن كانت لدى إرميا رسالة أُخرى هي رسالة الرجاء. فمع أن شعب يهوذا قد نبذ الله، فإن الله لم ينبذهم، وأنه لابد أن يظهر قوته من أجل إنقاذهم من أسرهم.
١
١ هَذِهِ نُبُوءَةُ إِرْمِيَا بْنِ حَلْقِيَّا أَحَدِ الْكَهَنَةِ الْمُقِيمِينَ فِي عَنَاثُوثَ بِأَرْضِ سِبْطِ بَنْيَامِينَ. ٢ وَقَدْ أَعْلَنَ الرَّبُّ لَهُ هَذِهِ النُّبُوءَةَ فِي عَهْدِ يُوشِيَّا بْنِ آمُونَ مَلِكِ يَهُوذَا، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنْ مُلْكِهِ. ٣ وَذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ حِقْبَةِ حُكْمِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا وَحَتَّى نِهَايَةِ الشَّهْرِ الْخَامِسِ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ وِلاَيَةِ صِدْقِيَّا بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، الَّذِي فِيهِ تَمَّ سَبْيُ أَهْلِ أُورُشَلِيمَ. ٤  فَأَوْحَى الرَّبُّ إِلَيَّ قَائِلاً: ٥ «قَبْلَمَا شَكَّلْتُكَ فِي أَحْشَاءِ أُمِّكَ عَرَفْتُكَ، وَقَبْلَمَا وُلِدْتَ أَفْرَزْتُكَ، وَأَقَمْتُكَ نَبِيّاً لِلأُمَمِ». ٦ فَقُلْتُ: «آهِ، أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ إِنِّي لاَ أَعْرِفُ مَاذَا أَقُولُ، لأَنِّي مَازِلْتُ وَلَداً» ٧ وَلَكِنَّ الرَّبَّ أَجَابَنِي: «لاَ تَقُلْ إِنِّي لَسْتُ سِوَى وَلَدٍ، لأَنَّكَ سَتَذْهَبُ إِلَى كُلِّ مَنْ أَبْعَثُ بِكَ إِلَيْهِ، وَتَنْطِقُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. ٨ لاَ تَخَفْ مِنْ حَضْرَتِهِمْ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ». ٩ ثُمَّ مَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ: «هَا أَنَا أَضَعُ كَلِمَاتِي فِي فَمِكَ. ١٠ انْظُرْ، هَا أَنَا قَدْ وَلَّيْتُكَ عَلَى أُمَمٍ وَشُعُوبٍ لِتَسْتَأْصِلَ وَتَهْدِمَ وَتُبَدِّدَ وَتَقْلِبَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ». ١١  وَسَأَلَنِي الرَّبُّ: «مَاذَا تَرَى يَاإِرْمِيَا؟» فَأَجَبْتُ: «أَرَى غُصْنَ لَوْزٍ». ١٢ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «قَدْ أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُتَمِّمَهَا». ١٣ وَعَادَ الرَّبُّ يَسْأَلُنِي مَرَّةً أُخْرَى: «مَاذَا تَرَى؟» فَأَجَبْتُ: «أَرَى قِدْراً تَغْلِي، وَوَجْهُهَا مُتَحَوِّلٌ عَنِ الشِّمَالِ نَحْوَ الْجَنُوبِ». ١٤  فَقَالَ لِي الرَّبُّ: «مِنَ الشِّمَالِ يَكُونُ تَدَفُّقُ الشَّرِّ عَلَى جَمِيعِ سُكَّانِ الأَرْضِ. ١٥ لأَنِّي هَا أَنَا دَاعٍ جَمِيعَ عَشَائِرِ الْمَمَالِكِ الشِّمَالِيَّةِ لِيَأْتُوا، فَيَنْصِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَرْشَهُ عِنْدَ مَدْخَلِ بَوَّابَاتِ مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ وَعَلَى جَمِيعِ أَسْوَارِهَا الْمُحِيطَةِ بِهَا وَعَلَى جَمِيعِ مُدُنِ يَهُوذَا. ١٦ وَأُصْدِرُ عَلَيْهِمْ حُكْمَ قَضَائِي مِنْ أَجْلِ كُلِّ شَرِّهِمْ لأَنَّهُمْ تَرَكُونِي، وَأَحْرَقُوا بَخُوراً لِآلِهَةٍ أُخْرَى وَعَبَدُوا صَنْعَةَ أَيْدِيهِمْ. ١٧  أَمَّا أَنْتَ فَتَأَهَّبْ، وَقُمْ وَكَلِّمْهُمْ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَخَفْ مِنْ حَضْرَتِهِمْ لِئَلاَّ أُفْزِعَكَ أَمَامَهُمْ. ١٨ انْظُرْ، هَا أَنَا قَدْ جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ قَوِيّاً كَمَدِينَةٍ حَصِينَةٍ، وَكَعَمُودٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَكَأَسْوَارٍ مِنْ نُحَاسٍ، لِتُجَابِهَ كُلَّ أَهْلِ الأَرْضِ، وَمُلُوكَ يَهُوذَا وَأُمَرَاءَهَا وَكَهَنَتَهَا وَشَعْبَ الْبِلاَدِ، ١٩ فَيُحَارِبُونَكَ وَلَكِنْ لاَ يَقْهَرُونَكَ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ يَقُولُ الرَّبُّ».