كتابُ مَلاخِي
في نحو النصف الأول من القرن الخامس قبل ميلاد المسيح أي ما بين سنتي ‏‏‏450‏-425 ق. م. دَوَّن لنا ملاخي بإيحاء من الله هذا الكتاب. كان ملاخي نبيا أرسله الله إلى المسبيين العائدين من المنفى في وقت كان الشعب فيه في حالة روحية خطرة تستدعي سرعة المعالجة. كان نحميا وعزرا قد أجريا بعض الإصلاحات الطقسية والسياسية الضرورية فجاء ملاخي ليوجه الشعب نحو الاهتمام الجدي بمشكلاتهم الروحية. كانت المشكلات الرئيسية التي هب ملاخي لمعالجتها والتصدي لها هي المشكلات المتعلقة بفساد الكهنة وإهمال هيكل الله والخطايا الشخصية التي ترتكب في البيوت. ويختم كتابه بنبوءةٍ متعلقة بمجيء المسيا، والداعي السابق له أي يوحنا المعمدان (المدعو هنا إيليا). وهكذا نجد أن العهد القديم يتطلع بعين الترقب إلى ما سيفعله الله في عصر العهد الجديد. لم يكن الشعب قد تلقن حقا درسه من مأْساة الأسر. كان الله قد كتب عليهم الذهاب إلى المنفى من جراء ما اقترفوا من آثام، وها هم الآن يرتكبون نفس هذه المعاصي. فقد شاع الطلاق في وسطهم، وطغت الأنانية عليهم، وانحرفوا نحو الغدر؛ أهملوا الهيكل والعبادة فيه، وران عليهم ذبول روحي بدت مظاهره في كل مكان؛ فألقى ملاخي اللوم على زعماء الشعب الدينيين، إذ يفترض فيهم من دون سائر الناس أن يكونوا على معرفة بمطالب الله. وجد ملاخي رجاءه الوحيد في مجيء المسيا المستقبلي الذي سيقوِّم كل شيء لأنه سيأْتي مزودا بقوة الله.
١
١ هَذِهِ كَلِمَةُ الرَّبِّ الَّتِي أَوْحَى بِهَا بِشَأْنِ إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ مَلاَخِي: ٢  «يَقُولُ الرَّبُّ: إِنَّنِي أَحْبَبْتُكُمْ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْأَلُونَ: كَيْفَ أَحْبَبْتَنَا؟ وَيُجِيبُ الرَّبُّ: أَلَيْسَ عِيسُو أَخاً لِيَعْقُوبَ؟ وَمَعَ ذَلِكَ أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ، ٣ وَأَبْغَضْتُ عِيسُو، وَحَوَّلْتُ جِبَالَهُ إِلَى أَرَاضٍ مُوْحِشَةٍ، وَجَعَلْتُ مِيرَاثَهُ لِبَنَاتِ آوَى الْبَرِّيَّةِ. ٤ وَإِنْ قَالَ الأَدُومِيُّونَ: مَعَ إِنَّنَا تَحَطَّمْنَا فَإِنَّنَا نَبْنِي الْخِرَبَ، فَإِنَّ الرَّبَّ الْقَدِيرَ يَقُولُ: هُمْ يُعَمِّرُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ، وَيَدْعُو النَّاسُ بِلاَدَهُمْ، «أَرْضَ النِّفَاقِ»، وَأَهْلَهَا بِالأُمَّةِ الَّتِي سَخَطَ الرَّبُّ عَلَيْهَا إِلَى الأَبَدِ. ٥ وَتَشْهَدُ عُيُونُكُمْ هَذَا، وَتَقُولُونَ مَا أَعْظَمَ الرَّبَّ الَّذِي يَمْتَدُّ سُلْطَانُهُ إِلَى مَا وَرَاءِ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ. ٦  إِنَّ الابْنَ يُكْرِمُ أَبَاهُ وَالْعَبْدَ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا حَقّاً أَباً فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ حَقّاً سَيِّداً فَأَيْنَ مَهَابَتِي؟ إِنَّ الرَّبَّ الْقَدِيرَ يَقُولُ لَكُمْ: أَيُّهَا الْكَهَنَةُ الْمُزْدَرُونَ بِاسْمِي؛ فَتَسْأَلُونَ: كَيْفَ ازْدَرَيْنَا بِاسْمِكَ؟ ٧ فَيُجِيبُ: لأَنَّكُمْ تُقَرِّبُونَ عَلَى مَذْبَحِي خُبْزاً نَجِساً. ثُمَّ تَتَسَاءَلُونَ: بِمَ نَجَّسْنَاكَ؟ فَيَرُدُّ: بِظَنِّكُمْ أَنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ مُزْدَرَاةٌ. ٨ عِنْدَمَا تُقَرِّبُونَ الْحَيَوَانَ الأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟ أَوْ حِينَ تُقَدِّمُونَ الْحَيَوَانَ الأَعْرَجَ وَالْمَرِيضَ، أَلَيْسَ هَذَا شَرّاً؟ قَدِّمُوا مِثْلَ هَذَا الْقُرْبَانِ هَدِيَّةً لِحَاكِمِكُمْ، أَفَيَرْضَى عَنْكُمْ وَيُكْرِمُكُمْ؟ يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. ٩ الآنَ الْتَمِسُوا رِضَى اللهِ لِيَرْأَفَ بِنَا، وَلَكِنْ هَلْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَرَابِينِ الْمُعْتَلَّةِ يَرْضَى عَنْكُمْ؟ يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. ١٠  آهِ، يَالَيْتَ بَيْنَكُمْ مَنْ يُغْلِقُ أَبْوَابَ الْهَيْكَلِ لِئَلاَّ تُوْقِدُوا نَاراً بَاطِلَةً عَلَى مَذْبَحِي، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ: إِذْ لاَ مَسَرَّةَ لِي بِكُمْ وَلاَ أَرْضَى بِتَقْدِمَةٍ مِنْ أَيْدِيكُمْ. ١١ لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُحْرَقُ لاِسْمِي بَخُورٌ وَذَبَائِحُ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. ١٢ أَمَّا أَنْتُمْ فَقَدْ دَنَّسْتُمُوهُ، إِذْ قُلْتُمْ إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ نَجِسَةٌ، وَإِنَّ طَعَامَهَا فَاسِدٌ وَمُزْدَرىً. ١٣ ثُمَّ قُلْتُمْ: مَا هَذِهِ الْمَشَقَّةُ الَّتِي نَتَكَبَّدُهَا؟ وَتَأَفَّفْتُمْ عَلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ. وَتُقَرِّبُونَ إِلَيَّ مَا اسْتَوْلَيْتُمْ عَلَيْهِ ظُلْماً وَمَا هُوَ أَعْرَجُ أَوْ مَرِيضٌ، فَيَكُونُ هَذَا تَقْدِمَةَ قُرْبَانِكُمْ فَهَلْ أَقْبَلُ هَذَا مِنْ أَيْدِيكُمْ؟ يَقُولُ الرَّبُّ. ١٤ مَلْعُونٌ الْمُنَافِقُ الَّذِي يَنْذُرُ لِلرَّبِّ ذَكَراً سَلِيماً مِنْ قَطِيعِهِ، ثُمَّ يُقَرِّبُ لِلرَّبِّ مَا هُوَ مُصَابٌ بِعَيْبٍ، لأَنِّي مَلِكٌ عَظِيمٌ وَاسْمِي مَهُوبٌ بَيْنَ الأُمَمِ، يَقُولُ الرَّبُّ الْقَدِيرُ».